فُصلوا عند الولادة .. والتقوا بعد ١٩ عام
فصلوا عند الولادة والتقوا بعد 19 عامًا
تخيل لو علمت أنك طوال حياتك كنت عبارة عن تجربة علمية؟ وأن لا شيء تقريبًا مما عشته كان حقيقيًا، فلا أنت أنت، ولا من عشت معهم والداك وأخوتك، وأيضًا أن لك عائلة آخرى لا تعلم عنها شيئًا !
هذا ليس خيالًا سينمائيًا، بل قصة حقيقية حصلت لثلاثة توأم متطابقين من الولايات المتحدة الأمريكية، هم “روبرت شافران”، “إدي غالان” و”ديفيد كيلمان”، الذين أصبحوا مؤخرًا أبطال فيلم وثائقي يحكي قصتهم عنوانه “ثلاثة غرباء متطابقين”.
ويحكي الفيلم قصة حياة التوأم الثلاث الذين اكتشفوا في عمر 19 عامًا، أنهم 3 توأم متطابقين فصلوا عند الولادة، وتبنتهم عائلات مختلفة في عام 1961، وكل هذا في سبيل تجربة علمية.
وصاحب هذه الفكرة الجنونية، هو عالم النفس “بيتر نوباور”، الذي كان يرصد حياة التوأم الثلاث، بهدف إجراء دراسة حول مدى تأثير الطبيعة البيولوجية على الأشخاص، ومدى تأثير التنشئة، لمعرفة كيف سيؤثر وضع الأشقاء في بيئات مختلفة على شخصياتهم مستقبلاً ولكن إن لم يرتبط البحث العلمي بالأخلاق فلا قيمة له مهما كانت نتائجه.
تبدأ القصة في عام 1980 بانضمام روبرت شافران إلى الكلية بعد بلوغه سن التاسعة عشر. وما إن دخل ساحتها حتى بدأ زملاؤه باستقباله كما لو كان صديقًا مقربًا، لكن الغريب بالأمر أن الجميع كان يناديه باسم إدي، وما هي لحظات حتى أدرك أحدهم أن روبرت ما هو إلا توأم إدي المتطابق، وذلك بعد سؤاله عن تاريخ ميلاده.
التقى كل من روبرت وإدي على الفور، ليكتشفا من تاريخ الميلاد واسم مكتب التبني، عوضًا عن الشبه المتطابق بينهما أن دار التبني عرضتهما لعائلتين مختلفتين دون أن تخبر كل عائلة عن التوأم الآخر. وما هي إلا أيام حتى جذبت القصة واحدة من الصحف المحلية في المنطقة، ليكتشف التوأمان بعد نشر المقال أن ثمة أخ ثالث، ديفيد كيلمان، يشبههما تمامًا وقد عرض للتبني عن طريق المكتب نفسه وفي الفترة نفسها.
وبعد بحث ثلاثتهم عن الحقيقة، اكتشفوا أن والدتهم الحقيقية حملت بهم خلال دراستها الجامعية، وعندما علمت بحملها قررت أنجابهم وعرضهم للتبني، وتفرقت بهم السبل منذ ذلك الوقت.
وفي زمن لم يكن فيه الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حاضرة في الجو العام، قام التلفاز والصحف المحلية بالدور، حيث بدأ التوأم الثلاثة بالظهور على شاشات التلفاز وفي البرامج الاجتماعية وتمت استضافتهم في العديد من العروض والإعلانات، بما في ذلك ظهورهم في أحد الأفلام.
ركزت المقابلات التلفزيونية بشكل أساسي على التشابه الكبير بين التوأم. جميعهم يدخنون نفس النوع من السجائر، ويحبون أصناف الطعام المتشابهة، يتحركون بشكل متناسق ويتشاركون لغة الجسد، وقد يبدأ أحدهم بالجملة لينهيها واحد من التوأمين الآخرين.
عمل نوباور بالاتفاق مع وكالة التبني التي كان من المفترض أن تقوم برعاية الأطفال وبدلًا من ذلك انضمت إلى الدراسة التي فصلت العديد من التوأم عن بعضهم البعض دون أن تخبر عائلاتهم المتبنية. والمفجع بهذه القصة، اكتشافهم بأنهم ليسوا الوحيدين الذين كانوا ضحية، مع إنتشار قصتهم بدأ الكثير من الأشخاص ممّن عرضوا للتبني في الفترة نفسها عن طريق الوكالة نفسها باكتشاف توأم لهم بعد سنين طويلة.
وقد عمل نوباور وفريقه البحثي بخلق ظروف مختلفة تمامًا للتوأم الثلاثة، فقد عاش أحدهم في عائلة غنية وآخر ضمن عائلة من الطبقة المتوسطة والثالث تبنته عائلة فقيرة. وفي أحد مشاهد الفيلم، تطالب العائلات الثلاثة بعقد اجتماع مع الوكالة لفهم الأسباب التي دفعتها لعدم إخبار العائلات عن موضوع التوأم. ينتهي الاجتماع دون نتيجة. يكتشف أحد الآباء لاحقًا أن أعضاء الوكالة احتفلوا لأن الدراسة السرية لم تُكشف.
وتابع الأشقاء في بحثهم عن الحقيقة وعلى الرغم من أن إدي غالان لم
يحتمل صدمة ما حدث وأقدم على الانتحار وهو بعمر الـ 33 عامًا، إلى أن شقيقاه كيلمان وشافران يطالبان حتى يومنا هذا بالكشف عن الوثائق الرسمية الخاصة بهذه الدراسة العلمية وباعتذار رسمي لهم بالإضافة إلى تعويض مالي عما حدث.
لا تعد هذه التجربة العلمية استثنائية أو فريدة؛ فهي واحدة من العديد من الدراسات غير الأخلاقية والتي استخدمت الأفراد كوسيلة لتحقيق غاياتها بغض النظر عن أي شيء آخر. فثمة الكثير من التجارب التي عرضت الأيتام والسجناء وغيرهم من الفئات الضعيفة للخطر من أجل الاكتشاف العلمي.
لكن في عام 1974، على إثر تلك التجارب، تم تأسيس “الهيئة الوطنية لحماية العناصر البشرية في البحوث الطبية والسلوكية” والتي وضعت قواعد أكثر صرامة من أي وقت مضى منعًا لعدم تكرار مأساة طبية أخرى في أي وقت لاحق.