المقالات

١١ يناير ٢٠٢٠م ليلة التنسيق الأمني المُتقن

 

كتب :سالم بن سلطان العبري

قبل هذا اليوم، أبلغني صديقي المقدم “توم”، الضابط في وزارة الدفاع الأمريكية ( البنتاجون )، في حديث جانبي أن خارطة الحكم في سلطنة عُمان ستتجه نحو السلطان هيثم بن طارق في حال فتح الوصية الخاصة بتسمية السلطان الجديد. لم أكن أعلم من أين أتى بهذه المعلومة الدقيقة، لكن حديثه كان مصحوبًا بدفتر ملاحظات كبير أشار من خلاله إلى محتويات اجتماعهم في غرفة العمليات بمبنى وزارة الدفاع في أرلينغتون. كان دفتر الملاحظات يحمل تفاصيل عن التحليلات والتوقعات بشأن الانتقال السلس للحكم في وطني عُمان، مما عكس مدى الاهتمام الكبير الذي أولته المؤسسات الأمريكية لهذا الحدث المفصلي.

في صباح يوم الحادي عشر من يناير 2020 وفي تمام الساعة الحادية عشرة، توقفت سيارة سوداء من نوع كاديلاك إسكاليد أمام منزلي في المدينة الصغيرة بيرك (Burk) التابعة لمقاطعة فيرفاكس بولاية فرجينيا. تلقيت قبل ذلك مكالمة هاتفية من قناة “الحرة” تطلب حضوري إلى الاستوديو لإجراء مقابلة حول وفاة السلطان قابوس بن سعيد وتولي السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم و كوني على دراية بمخاطر الحديث في القنوات الأجنبية أثناء الأحداث الوطنية الحساسة، استشرت معالي وزير الإعلام آنذاك برسالة نصية، فجاء رده مطمئنًا: “أنت رجل ثقة، توكل على الله.”
وصلت إلى مبنى قناة “الحرة” في أرلينغتون، وكان المحرر الإخباري الفاضل وائل في انتظاري. بعد التحية السريعة بالطريقة الأمريكية، طرحت عليه سؤالًا مباشرًا: “من أين حصلتم على رقم هاتفي؟ ولماذا أنا تحديدًا؟ مع وجود ملحق إعلامي في سفارة سلطنة عمان وصحفيين عمانيين ذوي خبرة.” أجابني بأن أحد موظفي مكتب التواصل الإعلامي في مبنى “هاري ترومان” بوزارة الخارجية الأمريكية هو من أوصى بي.
حاولت الاعتذار بصوت مبحوح يشبه صوت كل عماني في تلك الأيام الحزينة، مؤكداً أنني لست متخصصًا في السياسة الخارجية، وأن عملي الحالي يتركز على ريادة الأعمال في القطاع السياحي. لكن وائل أصر، مشيرًا إلى أن الحوار سيكون حول السياسة الخارجية لعمان في عهد السلطان قابوس، والتوقعات للعهد الجديد.

دخلت إلى الاستوديو، وبعد ضبط الصوت والصورة – وهي تفاصيل أعرفها جيدًا من عملي السابق كمذيع – جلست إلى جانب مقدم البرنامج الصحفي سعد ناصر، الذي بدا متحمسًا للحصول على مواجهة تلفزيونية مثيرة معي ومع الضيف الآخر من الرياض، المحلل السعودي القدير سليمان العقيلي.
بدأ العقيلي حديثه بهجوم مباشر على موقف سلطنة عُمان من المسألة اليمنية، مطلقًا سلسلة من الاتهامات. لم أنجر إلى الرد على تلك الاتهامات، حيث لم أكن مهتمًا بما يقوله، كما أن السياق الزمني لم يكن مناسبًا للحديث حولها. بدلاً من ذلك، ركزت حديثي على المستقبل، وعلى العلاقات الأخوية بين الشعبين السعودي والعماني، بهدف رسم صورة إيجابية لعُمان وشعبها، تعكس الحكمة والتوازن الذي اشتهرت به السلطنة.

خلال النقاش، أراد المذيع سعد ناصر معرفة نبض الشارع العماني، خاصة أن السلطان هيثم بن طارق سيخلف السلطان قابوس، الحاكم الذي كان له ثقل سياسي عالمي وشعبية استثنائية في الداخل.
أجبته بثقة: “نحن كعمانيين نعرف السلطان هيثم بن طارق جيدًا. فهو ليس غريبًا علينا، بل هو مهندس رؤية عُمان 2040، وشخصية عُرفت بالهدوء والحكمة. نحن ندرك تمامًا أن السلطان الجديد سيواصل المسيرة بكل أمانة، مع الحفاظ على إرث السلطان قابوس والعمل على تحقيق تطلعات الشعب العماني.”
هذا الحديث جعل المحلل السعودي سليمان العقيلي يغير لهجته، حيث قدم تعازيه بوفاة السلطان قابوس وأشاد برؤية عُمان 2040، وتشابهها مع رؤية المملكة 2030، مما خفف من حدة النقاش ووجّه الحوار نحو رؤية مشتركة لمستقبل المنطقة.
انتهى اللقاء بطريقة لم يكن يتوقعها سعد ناصر، الذي كان يطمح في منازلة تلفزيونية على غرار برامج المناظرات الأمريكية الشهيرة مثل Crossfire وHardball استطعت أن أعكس للعالم عبر هذا النقاش القيم العمانية الأصيلة، والمتمثلة في الحكمة، والهدوء، واحترام الآخر.

واليوم، بعد مرور خمس سنوات على تلك اللحظة، أرى أن ما حدث لم يكن مجرد مقابلة إعلامية، بل كان رسالة عمانية واضحة. نحن شعب يؤمن بقيادته، يعمل بحكمة لبناء مستقبل أكثر إشراقًا، ويفخر بموروثه الحضاري ويعزز مكانته الدولية في مختلف المجالات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى