الأخبار العالميةالمقالات

“رائد السعدي: 36 عامًا من الأسر وقصة صمود لا تنكسر”

 

رائد السعدي، عميد الأسرى الفلسطينيين، هو قصة تختصر معاناة شعب بأكمله، ورمز للتحدي الذي لا ينكسر أمام السجان مهما امتدت سنوات الظلم. هذا الرجل الذي أمضى في ظلام السجون 36 عامًا، أضحى أيقونة الصمود الفلسطيني، عنوانًا لرفض الاستسلام وصورة حية للإنسان الذي لا تهزمه الجدران ولا تكسره القيود.

ولد رائد السعدي عام 1966 في بلدة السيلة الحارثية، حيث نشأ على حب الوطن والدفاع عنه في وجه الاحتلال الإسرائيلي. ومع اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987، كان رائد في مقدمة صفوف المقاومين، مطاردًا ومطلوبًا لقوات الاحتلال حتى لحظة اعتقاله في 1989، عندما حكم عليه بالسجن المؤبد مرتين و20 عامًا إضافية. حكمٌ قاسٍ حاول الاحتلال من خلاله طمس معالم حياة رائد، لكنه فشل في كسر روحه.

لم تكن سنوات السجن سهلة عليه؛ تعرض رائد لكل أشكال التعذيب والإهمال الطبي، لكنه رفض أن يسمح لهذه المعاناة أن تكسر إرادته. ففي قلب الجدران وبين القضبان، أعاد صياغة حياته. أكمل تعليمه الجامعي، حصل على شهادتين، وحفظ القرآن الكريم كاملًا. كتب روايته “أمي مريم الفلسطينية”، التي لم تكن مجرد كلمات، بل صرخة حب ووفاء للأم التي انتظرته طوال سنوات عمرها دون أن تراه يعود إليها.

كان السعدي شاهدًا على فصول الألم الفلسطيني في السجون، فقد خسر والدته ووالده خلال سنوات أسره. وفي كل مرة كانت الخسارة تكبر، كان قلبه يتشبث بالأمل أكثر. كتب في إحدى رسائله: “حلمت أن أقبل جبين أمي، أن أكون آخر من يودعها، لكنني في الأسر، وحدود الحلم تتوقف عند جدران السجن”.

وفي يناير 2025، أشرقت شمس الحرية على رائد، بعد أن أصبح أقدم أسير فلسطيني على قيد الحياة. لحظة الإفراج عنه كانت أشبه بمشهد سينمائي يعجز عن وصفه قلم، عندما عانق شقيقه لأول مرة منذ عقود، في لقاء امتزجت فيه دموع الفرح والحزن.

رائد السعدي ليس مجرد أسير خرج من السجن، بل هو روح شعب فلسطيني يرفض أن يستسلم مهما طال ليل الاحتلال. قصة رائد تعلمنا أن الإرادة الحقيقية أقوى من كل قضبان، وأن الحرية، مهما تأخرت، ستبقى وعدًا يتحقق لكل من آمن بحقه وتمسك به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى