
ترامب يحقق الفوز مجددا ! ماذا يحمل برنامجه السياسي في المرحلة القادمة ؟
في مفاجأة سياسية غير متوقعة، تمكن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري لعام 2024، مما جعله مرشح الحزب المفضل للانتخابات الرئاسية القادمة. يطرح فوزه في هذه المرحلة تساؤلات عدة حول طبيعة خطته السياسية القادمة، في ظل التحديات الداخلية والدولية التي تواجه الولايات المتحدة، فضلاً عن سجل ترامب المثير للجدل منذ مغادرته البيت الأبيض في 2020.
1. فوز ترامب في الانتخابات التمهيدية:
فوز ترامب بالترشيح الجمهوري لم يكن مفاجئاً للكثير من المحللين السياسيين. منذ مغادرته البيت الأبيض، ظل ترامب يحظى بتأييد كبير من قاعدة واسعة داخل الحزب الجمهوري، وهي قاعدة تعرف بولائها الشديد له، إضافة إلى وجود حركة شعبية تسمى “ترامب-ISM” التي تنادي بمواصلة سياسات ترامب الشعبوية. في وقتٍ تميزت فيه السياسة الأمريكية بالاستقطاب، استطاع ترامب أن يحافظ على قاعدة جماهيرية كبيرة، في حين أظهر منافسوه الجمهوريون ضعفًا في التنافس معه.
وقد استثمر ترامب، الذي يعتبر نفسه “صوت الشعب”، في تعزيز شعبيته من خلال الهجوم على المؤسسة السياسية الأمريكية ومهاجمة النخب التي يرونها مسؤولة عن تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. في المقابل، يواجه ترامب اتهامات قانونية في قضايا متعددة، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير على موقفه السياسي في الفترة المقبلة، ولكن فوزه في الانتخابات التمهيدية يعكس تمسك قاعدته الشعبية به رغم هذه القضايا.
2. خطته السياسية القادمة:
بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية، من المتوقع أن يستمر ترامب في تبني السياسات التي ميزت فترتي رئاسته السابقة. في ضوء ذلك، يمكننا توقع عدة محاور رئيسية في خطته السياسية القادمة:
أ. تعزيز السياسات الاقتصادية الشعبوية:
من المنتظر أن يواصل ترامب سياساته الاقتصادية التي ارتكزت على خفض الضرائب، خاصةً على الشركات الكبرى، بالإضافة إلى التركيز على إعادة الوظائف إلى أمريكا من خلال استراتيجيات الحماية الجمركية، مما يهدف إلى تقليل العجز التجاري مع الدول الأخرى. وقد وعد ترامب في العديد من خطاباته بالعمل على تعزيز الاقتصاد الأمريكي عن طريق تخفيض الضرائب على الطبقات الوسطى وتقديم المزيد من الحوافز للقطاع الصناعي.
ب. تقوية الأمن الداخلي ومكافحة الهجرة غير الشرعية:
من القضايا الرئيسية التي يسعى ترامب إلى معالجتها هي الهجرة غير الشرعية. في فترته الرئاسية السابقة، ركز ترامب بشكل مكثف على بناء جدار على الحدود مع المكسيك، وأكد مرارًا أنه سيواصل تلك الجهود في حال فوزه في الانتخابات القادمة. كما سيواصل الدعوة إلى سياسات الهجرة الصارمة التي تعكس اهتمامه بالأمن القومي وحماية الوظائف للمواطنين الأمريكيين.
ج. التصدي للتهديدات الصينية والروسية:
من المتوقع أن تبقى الصين وروسيا في صدارة التحديات الخارجية التي سيتعين على ترامب مواجهتها. خلال فترة رئاسته، كان قد أطلق حملات ضد الصين متهمًا إياها بسرقة حقوق الملكية الفكرية والممارسات التجارية غير العادلة. كما قام بفرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية كجزء من حرب تجارية كانت تهدف إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي مع الصين. من المرجح أن يعيد ترامب تنشيط هذه السياسات لمواجهة النفوذ الصيني في الساحة العالمية.
د. التعامل مع قضايا البيئة والطاقة:
في ملف البيئة والطاقة، لن يختلف ترامب عن سياسته السابقة التي كانت تركز على تقليل القيود البيئية على الشركات الكبرى، وهو ما يتماشى مع قاعدته التي تدعم نمو الصناعات التقليدية مثل النفط والغاز. ومع الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ في فترة رئاسته، من المتوقع أن يواصل نهج “أمريكا أولاً” في قضايا البيئة، متجاهلاً الضغوط الدولية بشأن مكافحة التغير المناخي.
هـ. توسيع السياسات الثقافية والشعبوية:
سيواصل ترامب دعم سياسات ثقافية وشعبوية تحفز القيم المحافظة، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية مثل حقوق الإجهاض، وحقوق المثليين، وتعليم الجنس. وقد أكد ترامب أكثر من مرة أنه سيعمل على تعزيز الهوية الأمريكية التقليدية ومحاربة ما يراه “النظام الليبرالي المتطرف” الذي يغزو المؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام.
3. التحديات التي تواجه ترامب:
رغم فوزه الكبير في الانتخابات التمهيدية، فإن الطريق إلى البيت الأبيض لا يزال محفوفًا بالتحديات. أولاً، يتعين عليه تجاوز القضايا القانونية التي قد تضر بشعبيته، خاصةً التحقيقات المتعلقة بمحاولة التأثير على نتائج الانتخابات في 2020. كما سيواجه تحديات كبيرة في التعامل مع منافسيه في الحزب الديمقراطي، خاصةً إذا قرر الرئيس الحالي جو بايدن الترشح مرة أخرى أو إذا ظهرت شخصية ديمقراطية قوية لمنافسته.
علاوة على ذلك، فإن استقطاب السياسة الأمريكية قد يزداد حدة في الفترة المقبلة، حيث يعكف الديمقراطيون على استراتيجيات جديدة لمواجهة ترامب، وسط حالة من التوتر الاجتماعي والسياسي في الولايات المتحدة.
بعد فوز ترامب في الانتخابات العامة لعام 2024، فإن خطته السياسية ستكون استمرارًا لتوجهاته الشعبوية التي ظهرت خلال فترته الرئاسية الأولى، مع التركيز على تعزيز الاقتصاد الوطني، وقوة الأمن الداخلي، والحفاظ على مصالح أمريكا في الخارج. ومع ذلك، ستظل التحديات القانونية والسياسية والتغيرات في المناخ السياسي محورية في مسار ترامب السياسي في المستقبل.