غير مصنف

“حسن الفيلكاوي” .. الذي فقد ذاكرته لتعيدها صورة للراحل مشاري البلام

 

بعد غيابه لربع قرن وانقطاع الاتصالات به وأمل عودته لأحضان وطنه الأم  عاد المواطن الكويتي حسن الفيلكاوي، المفقود منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي في ظروف غامضة، إلى بلاده.

يعتبر غيابه بقصة مليئة بالغموض وحلقاتها مفقودة والغريب في الأمر ، كيف لوفاة الفنان مشاري البلام في شباط/ فبراير الماضي فضل في عودته لوطنه ؟

تفاصيل القصة

بدأت قصة حسن المولود عام 1969، عندما أكمل دراسته الجامعية قبل أن يتوجه في 1996 إلى الولايات المتحدة للتسجيل في معهد لدراسة اللغة الإنجليزية تمهيدا لاستئناف دراساته العليا.

حجز حسن تذكرة إلى كاليفورنيا في رحلة لا يعرف أي منتهاها ولا أحداثها ، ولا يعلم ما يخبي له القدر من أحداث ، وكان حسن يخطط  أن يسكن مع صديق له، وقد حدد مدة الرحلة بـ5 أيام رآها كافية للتقدم بأوراقه إلى معهد اللغات،  ثم بعدها يعود إلى الكويت انتظارا لقبول التسجيل ..! هذا هو مسار الخطة ، ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان؛ إذ تعرض حسن قبل تقديم أوراقه لإصابة في الرأس نتيجة حادث عرضي لم تتطرق وسائل الاعلام الى تقاصيله، إذ إنه ما زال يعاني من آثاره حتى يومنا هذا.

الحادث ..! ماذا فعل بحسن ؟

كان وقع الحادث أليم ليس فقط على حسن ، بل امتد الى عائلته التي فقدته ، وغابت عنها خيوط الوصول اليه ،، اسرته التي تنتظره وأمه الملكلومة التي لا تعلم أين اختفى ابنها ! وأخوان بذلوا الجهد وقاسوا الألم في سبيل البحث عنه .! ولكن لماذا ؟

حسن فقد ذاكرته، ونسي كل شيء يتعلق بماضيه، ولم يعد يتذكر حتى مكان حقيبته التي أودعها جواز سفره وجميع أوراقه الثبوتية وشهادته الجامعية.

نسي حسن اسمه، ولم يتعرف على نفسه ومن يكون، ولا إلى أي دولة ينتمي، ولأنه على الأراضي الأميركية؛ فما كان من السلطات هناك إلا أن صنفته مهاجرا غير شرعي وحصل على هوية بذلك.

بقي حسن كجسد يعيش فقط ، بدون جذر ينتمي إليه ، ولا كتف يحن إليه  ، الا أن  لغة حسن العربية كانت كفيلة بتطويقه من العرب من المهاجرين غير الشرعيين، وأغلبهم من الجنسيتين العراقية والمغربية وهم من كانوا له وطن يحّن عليه بعد فقده كل ماضيه ، وأطلقوا عليه اسم حسن حسن.

عانى حسن وذاق الأمر فمن هو؟ وأين هو ؟ وهام حسن على وجهه بحثا عن قوت يومه، فلم يجد سوى العمل بنظام المياومة في قطاع البناء والعمران، واستمر به الحال كذلك لأعوام . ولأنه كان ذو همة وطموح عالي لم  تثبطه هذه الظروف من عزيمة الدراسة ، فأكمل دراسته في معهد للغات، واجتاز لاحقا اختبار المستوى الجامعي.

ولأن مادة الرياضيات التي حصل على شهادتها من كلية العلوم في جامعة الكويت عالقة في ذهنه وعقله الباطن؛ فقد نجح في الامتحان، وحصل لاحقا على شهادة الماجستير.

أصبح حسن مدرسا بإحدى الكليات في كاليفورنيا؛ لكن براتب مقطوع، ولم يكن يملك منزلا، وفي 2005 تعرف إلى فتاة أميركية وتزوجها ، وكانت فرصة النجاة بالنسبة لحسن  ، فقد أحتوته ليبني له أغصان عائلة ، يستند إليها في المحن والألم ، فكانت زوجته كتفاً حانياً ووقفت إلى جانبه، وكانت ملجأه من عثرات الزمان، وما تعرض له من مضايقات كثيرة على الأراضي الأميركية، ورزق منها بإبنين وابنة.

حسن لا يزال شيئ ما عالقاً بذهنه عن ماضيه ولا يزال وقع الحنين الى الأم والوطن يدق بين جدران قلبه ، فطرق أبواب السفارات العربية خلال هذه السنين، واجتهد حسن كثيرا للتوصل إلى هويته، فكان يطرق أبواب السفارات العربية علّه يجد فيها من يجيب على تساؤلاته بمن يكون؟ وإلى أي أرض ينتمي؟

شاءت الأقدار أن يشع بصيص الأمل في حياة حسن وبالتحديد في  يوليو عام 2020  عندنا قرر أن ينشأ له حسابا على موقع التواصل الاجتماعيتويترلعله يعثر فيه على ضالته، وأصبح  يبحث بإستمرار عن اسمحسن حسنوما إذا كانت هناك عائلة تحمل هذا الاسم لعله ينتمي لها، غير أن جميع محاولاته باءت بالفشل. وعاد قلبه الملئ بالأمل الى صخرة بات يكسوها الألم .

وذات ليلة ، ومع بداية عام 2021 رأى حسن في منامه صديق طفولته في جزيرة فيلكا الكويتية وزميل دراسته في الجامعة الفنان مشاري البلامرحمه اللهلتعيد هذا الرؤيا لحسن جزءا من ذكريات الطفولة ، وتبدأ بعدها قصة البحث الجديدة .

سارع حسن إلىتويترمحركاً زر البحث عن اسممشاري صالح، الذي كان يعرفه به دون عائلتهالبلام، ليصعق بنبأ مرور 3 أيام على وفاته.

تأتي بعدها حسابات متوالية تقدم النعي وواجب العزاء للفنان الراحل أمام حسن الذي بدأت ذاكرته تعود شيئاً فشيئاً ، وبدأت ملامح حياته وماضيه الغايب يرتسم أمام عينيه كلوحة فنية يخطها رسام بارع

وخلال مطالعته للحسابات، التي قدمت النعي للفنان الراحل واحدا تلو الآخر؛ استوقفه حساب شقيقه محمد الفيلكاوي، فأخذ يقلب صورته مرارا وتكرارا، والدهشة تدق في أبواب قلبه وعينه ، وعي دهشه وخوف وملامح من الماضي العتيق ..! 

هذه الصورة أرجعت لحسن 90% من ذاكرته، ليستعيد معها المكان الذي كان قد خبأ فيه حقيبة أوراقه الثبوتية، ليهرع إليه، ويعثر على نفسه من جديد.

ليتيقن حسن أنه حسن الفيلكاوي .. العربي الخليجي الكويتي الأصل والمنشأ !

سارع حسن بالذهاب إلى القنصلية الكويتية ليخبر موظفيها بقصته الأليمة ، وليبدأ الإعداد لرحلة عودته إلى أرض الوطن بالتنسيق مع وزارة الخارجية.

وبالتزامن مع ذلك بعث حسن برسالة إلى شقيقه؛ لكنه لم يتلق أي جواب منه ، لربما كان غير نشط في تلك الفترة ، ما دفعه للتدقيق بقائمة أصدقائه في تويتر، ويعثر على حساب نجله جاسم.

جاسم كان بمثابة رفيق درب لعمه حسن، حيث لم يكن يكبره سوى بعامين، وزامله أثناء الدراسة الجامعية.

ذُهل جاسم ، واقْشعر بدنه  عندما وقعت عيناه على رسالة من عمه الغايبحسن–  يخبره فيها بأنه ما يزال على قيد الحياة.

فجاسم وأعمامه وجميع أفراد عائلتهم ظلوا لسنوات وسنوات يبحثون عنه، ولم يتركوا بابا إلا وطرقوه طلبا للمساعدة في العثور على عمهم، الذي انقطعت أخباره حتى ظنوا أنه مات .!

يروي جاسم أنه لم يصدق أن عمه  حسن حي ويرزق وقرر مهاتفته ليسمع الصوت ويتأكد ، ذُهل جاسم من هول المفاجأة فعمه حسن بالفعل يتكلم ،، الا أن اللكنة العراقية التي تأثر بها من أصدقائه، زادت شكوكه في أنه ربما يتعرض لـمقلبما.

لكن شكوك جاسم تبددت عندما ذكّره عمه بتفاصيل دقيقة جمعتهما معا، ليتأكد معها من أن محدثه ليس سوى عمه حسن، وبات وجميع أفراد العائلة يعدون الساعات والدقائق لاستقبال الغائب الحاضر.!

سهلت وزارة الداخلية الكويتية عودة حسن وأفراد عائلته، ولم يتسن سوى لشقيقه وشقيقاته الثلاث استقباله في مطار الكويت الدولي التزاما بالاحترازات الصحية التي فرضتها جائحة كورونا.

وعاد حسن ومعه عائلته الصغيرة ، زوجته وأطفاله ، عاد الى  إلى أحضان وطنه الأم بعد غربة استمرت 25 عاما كانت بمثابة غربتين له في ظل فقدان ذاكرته، ليبدأ حسن فصلا جديدا من حياته؛ ولكن هذه المرة بدون والدته التي توفيت في 2020، وظلت حتى لحظاتها الأخيرة تردد اسمه، وتؤكد للمحيطين بها أن شعورها كأم يخبرها بأن حسن ما زال على قيد الحياة..

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. Thanks for another wonderful post. The place else may anyone get that type of info in such an ideal method of writing? I have a presentation subsequent week, and I’m at the look for such info.

  2. My partner and I absolutely love your blog and find the majority of your post’s to be what precisely I’m looking for. Does one offer guest writers to write content available for you? I wouldn’t mind producing a post or elaborating on a few of the subjects you write about here. Again, awesome site!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى