هل تتناسخ الأرواح ليعيش الفرد مرتين ؟ قصة أشبه بالخيال
في جنوب لويزيانا الأمريكية، يعيش السيد بروس لينينجر وزوجته أندريا، حياة عادية هادئة، وقد رُزقا بطفل جميل عام ١٩٩٨ واختارا له اسم ” جيمس“، ولم يتوقعا يوماً أن حياتهما الهنيّة ستتمرد على المنطق على حين غرة، وتدخل في خندق عظيم ، يعظم على العاقل تصديقه ، تحديدًا في ذات ليلة من مايو أيار عام٢٠٠٠ .
حين استيقظ الزوجين على صراخ ابنهما جيمس ووجدوه يتدحرج في الفراش ، حملته والدته بين ذراعيها لتهدئة روعه، على ما يبدو أنه رأى في منامه كابوسًا أفزع قلبه الصغير ، وبعد أن استعاد الطفل هدوءه، حاول أبويه زرع الاطمئنان في روعه وأنهما في حمايته دائماً من أي أذى ، لكن الطفل الصغير أثار الريبة والخوف بقوله : “الطائرة تحطمت في النار، والرجل الصغير لا يستطيع الخروج“!
ظن الأبوان إنه كابوس مزعج لا أكثر، وعادوا جميعًا للنوم ، لكن الغريب أن تلك الكوابيس تكررت في الأسابيع القادمة، وتطورت حالة الطفل ” جيمس” إلى الأسوء، حيث أن الأحلام المزعجة لم تتغير وأصبح الطفل حبيس احلامه والخوف ، أما أحاديثه فهي تدور حول الطائرة والنيران والقصف والطيار الذي لا يقدر على الخروج!.
حالة الصغير الغريبة، أزعجت أسرته وأرهقت راحتهم وأثارت حيرتهم ودبت الخوف في قلوبهم، لذا قرر الزوجان التوجه بجميس الصغير إلى أقرب طبيب نفسي للاطلاع على حالته ، وقد نصح المختص النفسي الأبوين بضرورة أن يجعلا الطفل يشعر بالأمان والاستقرار ، وان لا يخوضا معه فيما يرويه عن الطائرة والنيران والطيار العالق في الطائرة .
وطمأنهم بأن جيمس الصغير يعاني من حالة فزع شديد نتيجة الكابوس المرهق ، سيتجاوزها بعد مدة، واكتفى المختص النفسي بوصف بعض الأقراص المهدئة للطفل جيمس، وهكذا عاد السيد بروس وزوجته إلى المنزل ليعملا بما قاله الطبيب، وحاولا جعل طفلهما ينسى ويشعر باطمئنان أكبر.
لكن الغريب والمفزع أم الأحلام المزعجة لا تنفك على الصغير وظل على حاله وظلت الأحلام ترهق مضجعه ، وعلى الرغم من أن حياة الطفل عادية في النهار وتصرفاته طبيعية جداً ، عدا الليل وحينما يحد الظلام المشؤوم الذي يحمل معه لجيمس أحلامًا مفزعة ، والتي تدور عند ذات الحلم وهو طائرة تُقصف في فراش النوم ، فأصبح نوم الصغير جيمس معاناة وخوف .
قررت والدة الصغير أن تخرجه من جو الأحلام والخوف ، فزارا السيدة أندريا وابنها ذات يوم جيمس محل ألعاب، واختار الطفل شراء طائرة حربية بدون تردد، وهنا حاولت والدته التأثير عن اختياره حتى ينسى الحروب وما يهلوس به في الليالي ،
واقترحت عليه شراء طائرة مدنية بما أنه مصر على الطائرات ، لكن جيمس الصغير أصر على اقتناء الطائرة الحربية، فوافقت الأم على مضض، ثم قالت له: “أنظر، توجد قنبلة أسفل طائرتك” وقد أشارت إليها بإصبعها.
لكن رد الطفل على والدته، كان صاعقًا، بنسبة لطفل في عمره ، حيث قال جيمس: “هذا المكان الذي أشرت إليه يا أمي، ليس قنبلة، بل هو خزان احتياطي للوقود“
”
أن المريب في الأمر هو كيف لطفل دون الثالثة من عمره أن يعرف عن أجزاء الطائرة المقاتلة؟ على الرغم من أنه لم يتم التطرق عن الطائرة او أجزائها في المنزل !، دخل قلب الأم شيء من التفكير ، كيف علم جيمس بذلك ؟
بعد ذلك بأيام وأثناء تجوال جيمس الصغير مع والده، مرا إلى جانب مطار صغير، ولمح جيمس طائرة حربية، وهرع يجري نحوها نحوها ولحق به والده ، وطلب جيمس من حراس المطار الصغير بأن يتفحص الطائرة ويراها عن قرب ،ووافق حراس الأمن بكل سرور على طلب الطفل البريء. بدأ جيمس بتفحص الطائرة باحترافية عالية وفرحة غامرة ، كما لو كان طيارًا حربيًا، بل وبدأ يُحدث والده عن معلومات وتفاصيل دقيقة عنها.
هاتين الواقعتين زادت الأمر غرابة وشك عند الأبوين، مع ذلك ظلت الأمور تحت السيطرة، والأمر لا يعدو كونه هوس طفل وسيزول
لكنه لن يزول حتى تزول أوتاد المعقول في مخيلة الزوجين.
وذات ليلة، عاد الطفل يصرخ في منامه ، الا أنه هذه المرة تحدث بوضوح وهو يقول: “افتحوا لي الباب، افتحوا لي الباب، الطائرة تشتعل، ولا أستطيع مغادرتها!” ثم استيقظ على مرأى والديه وقال: “لقد قصفوا طائرتي” ! تسائل الوالدين بكل رعب ، من هم ؟ رد جيمس وقد عبست ملامحه وضاق نفسه : “اليابانيون” ! ، تسائل والده ، كيف عرفتهم؟ بعد برهة رد الطفل بكل هدوء : من الشمس الحمراء الكبيرة” !
ما الذي يقصده جيمس عند قوله بالشمس الحمراء الكبيرة ؟ هل هو يقصد الرمز الياباني؟ أم أن مخيلته تذهب لأبعد من ذلك ؟ ففي الحرب العالمية الثانية كان رمز الشمس المشرقة باللون الأحمر تظهر على طائرات اليابان.
بدأ وضع جيمس يأخذ منحنى آخر من الجد ، في الأشهر اللي تلت الحادثة بدأ جيمس بالتحدث مع والديه أكثر عن الحرب العالمية الثانية، ولم يعد ذلك يقتصر عن الأحلام، فقد أصبح الطفل جيمس ينطق بما يعجز العقل عن تصديقه، حيث زعم أنه مات في الحرب العالمية الثانية!! وبالتحديد في مارس 1945، كما أنع وصف بلهجة الأطفال البيضاء ، الهجوم الذي قُضيّ فيه نحبه، كما لو أنه كان حاضرًا هناك ، حيث أخبر والديه أن اليابانيون قد فتحوا النيران على طائرته الحربية قبل أن تسقط في المحيط، وهو بعمر الواحد والعشرين. فتسائل السيد بروس عن نوع الطائرة التي كان يقودها أثناء الهجوم؟ ليرد جيمس على والده قائلا: “كنت أقود طائرة من نوع قرصان (Corsair).
تمتم جيمس الصغير قصة تفاصيل موته كأنها مشهد من الخيال وذكر تفاصيل مريبة كأن شخص ما عاشها ، كما أنه أجاب على أسئلة والديه بكل دقة ، وشرح لهم عم طائرته التي حلقت من على متن سفينة تدعى ناتوما.
وبعد بحث طويل من قبل السيد بروس، تبين أن كل أنواع الطائرات الحربية التي يذكرها ابنه جيمس، قديمة وشاركت حقًا في الحرب العالمية الثانية، وبالأخص حاملة الطائرات ناتوما، والتي كانت تبحر في المحيط الهادئ.
لم تقتصر قضية جيمس لينينجر على لحظة سرد هذا الهجوم من قبل اليابانيين ، حيث أن هذا الصغير على ما يبدو خبير في شؤون الطيران الحربي ، وأحداث الحرب العالمية الثانية، فهو يعرف تقنيات وأسرار الحروب الجوية، وكيف يتم التدريب ثم افراغ الذخيرة، كما لو كان هذا الذي يتكلم قائد كتيبة من المحاربين القدماء، ومثقل صدره بالنياشين والأوسمة، وليس بطفل بالكاد تعلم الكلام! يا لغرابة القصة!
تدخلت جدة جيمس في الروايات الدقيقة وأشارت أنه ولربما قد تكون الأرواح سكنت جسد حفيدها الصغير ، أما الأم أندريا فكانت ترى أن جيمس استحوذت عليه روح طيار حربي، ولم تلق أي تفسير آخر لحكايات جيمس الصغير ، وأرسلت في طلب الباحثة كارول بومان، وهي صاحبة كتاب عن تناسخ الأرواح، بعنوان “حياة الأطفال السابقة”.
الباحثة زكت اعتقاد الجدة والأم، وأن ما حدث ويحدث مع جيمس، هو تناسخ الأرواح. الا أن السيد بروس رفض تصديق تلك الاعتقادات الغريبة والمريبة على الرغم من كل أدلة الطفل جيمس، وظن أن ابنه يعيش حالة نفسية صعبة جراء الكوابيس الليلية ، وقرر اثبات ذلك وكذب كلام نجله الصغير بأدلة دامغة.
بروس يود إعطاء تحليلات علمية لحالة نجله بعيدًا عن التفسيرات اللامنطقية، وهي تحقيقات ستدوم لثلاث سنوات مرهقة، سافر فيها الأب شمالا وجنوبًا في بحث مضني أفضى لما كان يخشاه ، الا أنه بدأ بالانضمام إلى جمعية قدماء المحاربين في مدينته.
وذات يوم سأل ابنه إذا كان يتذكر زملاء له في المعارك أو صديق مقرب من القوات البحرية الأمريكية ؟ على أمل أن يسمع إجابة خاطئة، وبدون تردد ولا غمغمة، أجاب جيمس بلهجة الواثق، إن طيارًا حربيٌ يدعى جاك لارسون، هو أعز زملائي .
دوّن الأب هذا الاسم، وبدأ يبحث في جمعية قدماء المحاربين، ووجده! نعم، جاك لارسن كان طيارًا حربيًا في القوات الجوية الأمريكية زمن الحرب العالمية الثانية!
بحث الأب مطولاً ونجح بالعثور على الطيار الذي ذكره ابنه، فكانت أول صدمة له، لكن القادم أعظم، بل عظيم جدًا، فالذي كان بحوزة الطيار جاك لارسون، كفيل بأن يعبث بعقل إنسان، وجعل بروس يصل إلى باب الجنون، لكنه لم يدلف فيه!
حيث تقابل بروس مع الطيار الحربي و قال الطيار جاك إن له صديق مقرب في القوات الجوية إبان الحرب العالمية الثانية واسمه جيمس هيوستن جنيور! أي أنه يحمل نفس اسم نجل بروس!
شاعت القصة فقد انفجرت قضية جيمس لينينجر في الجرائد والمجلات الأمريكية، وسُمع دوي انفجارها في الجرائد البريطانية والفرنسية، ثم وصلت لكل المهتمين بتناسخ الأرواح حول العالم. ووصلت للكاتبة والباحثة في موضوع تناسخ الأرواح السيدة كارول بومان.
وبدأ الجميع برفقة الأب بروس، يبحثون في أورقة أرشيف الطيران الحربي الأمريكي المشارك في الحرب لعالمية الثانية، والذي كان يبث الرعب في سماوات اليابان عن كيفية قتلهم للطيار الحربي الإمريكي ، حيث وصل الأب والمهتمين الى إلى نتيجة، مفادها، أن في مارس 1945 ثلاث طيارين أمريكيين قد نجح اليابانيين في اسقاط طائراتهم في سماء اليابان، تحديدًا، تلك المقاتلات التي انطلقت من حاملة الطائرات، المدعوة “تانوما” وماتوا جميعا في عرض المحيط، وأحدهم يُدعى جيمس هيوستن جنيور، من مواليد 1924، أي أن عند موته 1945، كان بعمر الواحد والعشرين، كما زعم الطفل جيمس، فتعددت المصادفات في هذه القضية التي أجبرت المشككين من بينهم الأب بروس، بطرح سؤال يتجنبون طرحه ويخشون منه: أتكون حقًا روح الطيار جيمس هيوسن، هي نفسها تسكن في هذا الصغير، المدعو جيمس لينينجر؟
بعد التوصل للطيار جيمس هيوستن والذي يُعتقد أنه نفس الشخص الذي يقصده الطفل جيمس الصغير، بدأ البحث عن أقرباء الطيار هيوستن، فتم الوصول إلى شقيقته، والتي لا تزال على قيد الحياة، ولكن تجاوز بها قطار العمر محطة الثمانين عامًا، وتُدعى آن هيوستن، حيث كشفت حقائق عن شقيقها المختفي منذ هدوء مدافع الحرب العالمية الثانية، وقد كانت تنتظر عودته ذات يوم من ربيع عام 1945، لكنه لم يعد أبدًا، ثم لاحقًا تلقت الأسرة خبر اختفائه ، والغريب أنه لم يكن هنالك ما يثبت أنه قضي في إحدى المعارك التي أُسدلت الستار على أشرس حرب مرت على البشرية، ومنذ ذلك الزمن، لم تكن أسرتها تعرف شيئًا عن جيمس، ولم تصلهم أي أخبار عن موته، واليوم فقط تتطلع على كيفية موت شقيقها، الذي سقط مع مقاتلته في عرض المحيط !
وكما كان متوقعًا، فقد تواصلت الغرابة والحيرة، وها هو الطفل جيمس يَصْدق من جديد، وهو يحاور العجوز آن، كما لو كان شقيقها الذي مات في الأربعينات، فحديثهما هو حديث الأشقاء الأبرياء الذين يعرفون الكثير على أنفسهما .
وانهارت العجوز آن باكية، وهي تشير للطفل جيمس، وتقول: “هذا أخي، أقسم لكم، فهو يعرف كل شيء عني، وعن أسرتي” وهكذا كان اللقاء بين آن هيوستن وشقيقها جيمس، الذي مات قبل لَم الشمل بنصف قرن، في جو من الجنون والريبة والغموض .
وبعد سلسلة الأحداث، اقتنع الأب وكل الأسرة، أن روح جيمس هيوستن عادت، وهي التي كانت تحدثهم، فما عاد هناك مجالاً للشك، فكل أقوال الطفل في غاية الدقة والصدق، حتى أنه كشف للزوجين، أنه اختار أن يعود في صلبهما قبل حمل الزوجة، لأنهما والدين صالحين!
وقد زار الطفل جيمس لينينجر – أو الطيار جيمس هيوستن – زملاءه قدماء المحاربين، وهالّه منظرهم، فقد عبث الزمن بملامحهم، وهدم قوى هؤلاء الذين كانوا بالأمس جنودًا أقوياء شجعان.
بعد أن بلغ جيمس عمر الثامنة، قد تجاوز كل ما مر عليه، من أحلام مفزعة التي ظلت تراوده بعد سن الثانية، لكنها خفت مع توالي السنين. وعن هذه القضية، قام والدي جيمس بتأليف كتاب يرويان فيه حكاية طفلهما العجيبة مع روح مات صاحبها الطيار الحربي، قبل أكثر من نصف قرن!