غير مصنف

مجرم الطائرات .. المجرم الذي استهدف اكاديمي الجامعات وشركات الطيران .. ما السر؟

 

في أواخر السبعينات عام 1978

داخل جامعة نورت وسترن بولاية الينوي الامريكية،  وجدّ حارس الأمن طرد بريدي باسم أحد الأساتذة، لم يكن معروف من وضع هذا الطرد، ولم يطلبه الأستاذ

في كل الأحوال فتح حارس الأمن الطرد، وفور فتحه انفجرت قنبلة كانت بداخله. ولحسن الحظ، لم تحدث أضرار جسيمة.

افترضت التكهنات والتحقيقات الأولية أن الطرد وضعه طالب كان يحاول الانتقام من أستاذه،  ولكن بعد الحادثة بعام.. اكتشف احد مقدمي الدراسات العليا من نفس الجامعة طرد باسمه، وحصل له نفس الأمر، بمجرد أن فتحه انفجر، ولكنه ولحسن الحظ فقد نجى.

وهذا ما زاد القلق، وبدأ الجميع بالتفكير إن الجامعة قد تكون مستهدفة أو يوجد أحد بين الطلاب مضطرب يجد متعته في التفجير!

الإجراءات الأمنية زادت في الجامعة، وهذا ساعد هذا على تهدئة المخاوف واستقرار اجواء الجامعة.

والغريب أن  القنابل كانت مصنوعة يدويًا وتغليفها بالصندوق العادي يمنع وجود أي بصمات أو شبهة في كونها طرد بريدي عادي، ومصممة بطريقة عبقرية تجعلها إن تعرضت للهواء أو الضغط تنفجر.

خطوات الجاني بدأت تصبح أسرع ، حيث أنه  في شهر نوفمبر عام 1979 أي بعد 6 شهور من القنبلة الثانية.

وجدت الخطوط الجوية الأمريكية وبالتحديد في رحلة 444،    قنبلة مزروعة في الطائرة ، وقد تم استشعارها بعد إقلاع الطائرة مما اضطرها للهبوط مجدداً وبسرعة ،  حيث كان تصميم هذه القنبلة يتضمن آلية تفجير تعمل عندما يزداد ارتفاع الطائرة في الجو، وهي اشارة أن المجرم ذكي جدَا.

ولأن الجريمة حصلت بطائرة، وهذا يعني أنها جريمة فيدرالية، تستدعي تدخلًا فوريًا من الـ (FBI) مكتب التحقيقات الفيدرالي ، وكانت أولى الروابط مع القنبلة هي القنبلتين اللتان وصلوا على أشكال طرود بريدية في جامعة نورث وسترن، وتبين بعد التحقيقات أن جميع القنابل الثلاثة على الأغلب صنعهم نفس الشخص ، وهذا الاكتشاف كان صادم..!

مضتّ أشهر من التحقيق، وفي هذه الأثناء تلقى أحد مدراء شركات الطيران، رسالة مجهولة من شخص يريد ارسال له كتاب، وبالفعل وصل الكتاب بعد أيام، وبمجرد أن فتح الضحية صفحاته ببراءة انفجر الكتاب بوجهه

وقد كانت هذه القنبلة أقوى بكثير من السابقات ،  وشوهت وجه الضحية، مما يؤكد تطور المجرم في صناعة القنابل.

المحققون وجدوا أن القنبلة تشترك في أساسها مع القنابل الأخرى السابقة مما يعني أنها تعود للمجرم نفسه المطلوب ، ووجدوا معها شيء غريب تعمد المجرم الا يتأثر من الانفجار وهي قطعة معدنية طُبع عليها F C ، فهل يحاول المجرم إيصال رسالة ما ؟

كان هذا التفجير بالضبط علامة على أن أسلوب المجرم متعدد، مما يزيد ويزيد صعوبة التحقيق، ايضًا طبعة “F C” قد تكون علامة لاسم المجرم أو ما شابه ، وحاول المحققون الاتصال بالأشخاص الذين يحملون أسماء تبدأ بحروف “F C”  ولم يتوافق احد منهم مع المواصفات المطلوبة

وبالتالي استمر الغموض يُطارد القضية !

مع كل ذلك الغموض الذي يحيط بالقضية، كان هناك عامل يمكن الاستفادة منه في التحقيقات ، وهو أن جميع التفجيرات وقعت في ولاية إلينوي، وهنا احتمال بأن المجرم متواجد بها أو مرتبط بالمنطقة بطريقة ما !

والمفاجأة، أن هناك قنبلة انفجرت بجامعة فاندربيلت بولاية تينيسي القريبة مما عزز الفرضية.

والقنبلة  الأخيرة  كانت على نفس أشكال القنابل الأخرى وتضمنت الشارة الجديدة وربما التوقيع الرسمي للمجرم ” F C “.

أصابت القنبلة سكرتير الجامعة، وهنا المحققون توصلوا إلى أن المجرم يستهدف الجامعات والطائرات بشكل خاص.

فأطلقوا عليه لقب “Unabom” ويعني اختصار (مُفجر الجامعة والطيران).

الـ FBI بدأت تشعر أنهم اقتربوا للمجرم وحددوا الزون أو المنطقة المتواجد بها.

لكن بعدها المجرم زرع 3 قنابل في 3 ولايات مختلفة وبعيدة:

كاليفورنيا

واشنطن

ميشيغان

استهدفت القنابل أساتذة جامعيين وموظفين من شركة بوينغ لتصنيع الطائرات، تضرروا الضحايا ولكن جميعهم نجوا، فبماذا يفكر المجرم!؟

زاد التعقيد، والقنابل تطورت جدًا وربما في القريب العاجل ستقتل أحدهم

وهذا بالضبط ما حدث في عام 1985 بعد سبع سنوات من أول قنبلة، وجدّ صاحب متجر كمبيوتر طرد غامض بجوار المتجر وعندما فكّه انفجر..

وكان الانفجار مروع وقتل الضحية على الفور ..!

هكذا أصبح المجرم رسميًا: قاتل

وهنا العقوبات المترتبة سوف تختلف وجهود التحقيق ستكون أعلى وأكثر كُلفة

الـFBI عينوا محققين جدد واستعانوا بخبراء في التحليل وصناعة القنابل ومكافحة الإرهاب،ولكنهم للأسف  لم ينجحوا في الوصول لأي نتيجة!

بعدها أرسل المجرم قنبلة جديدة لصاحب محل كمبيوتر ثاني وانفجرت واصيب بجروح بليغة ولكنه نجى

هنا حدث شيء مهم، هناك شاهدة رأت المجرم وهو يضع الصندوق الملغمّ بالقنبلة، ووصفته على أنه : رجل، متوسط القامة، ولديه شارب، ويرتدي هودي ونظارات شمسية!

قدم مكتب التحقيقات هذه الرسمة للمجرم وكانت هي اهم دليل للقضية، ورصد مكافأة قدرها 1,000,000 دولار وذلك كان بعام 1987!

لمن يستطيع الإدلاء بمعلومات تقودهم للقبض عليه

وتوقفت نشاطات المجرم لسنوات ولم يتم رصد أي تفجيرات جديدة له بعد هذا الدليل،  فتوقع المحققون أنه توفى أو تم القبض عليه في جريمة أخرى أو راجع نفسه وعقله وقرر عدم خوض هذا العمل مرة أخرى  ،  عمومًا القضية بردت وبالتالي  تم وضعها ضمن الأرفف المهجورة .

بعد 6 سنوات.. عاد المجرم وقام بأبشع سلسلة انفجارات

ارسل 4 قنابل لأهداف، أصابت 2، وقتلت 2

ومن بين القتلى، مدير شركة Burson &Wolfe وهي من أكبر ثلاثة شركات للعلاقات العامة في الولايات المتحدة.

وقد كانت هذه التفجيرات الأخيرة للمجرم وبعدها توقف وأرسل للصحافة رسالة لا يمكن تتبعها .

قال لهمأنا عندي خطاب هام من 35ألف كلمة أرغب بنشرة بالكامل على أكبر الصحف (نيويورك تايمزواشنطن بوست) وعندكم مهلة شهر تنشرون الخطاب وإلا سأستمر في التفجير.

هذه الرسالة هي تهديد صريح   بتفجير مطار لوس أنجلوس من قبل المجرم .

ترددت الصحف كثيراً في نشر الخطاب الخاص بالمجرم   ، ولكن مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI وافق على نشر الخطاب فعلًا، وقال إنه من  الممكن قد يتعرف عليه  أحد الأشخاص المقربين منه    من خلال أسلوبه.

وباليوم التالي نشرت صحيفة واشنطن بوست الخطاب على عدد مخصص، لا توجد أي اخبار أو مقالات في هذا العدد، فقط الخطاب، وكأنه إعلان حرب من الرئيس الأمريكي

كان الخطاب صاعق للقراء، البعض رأى أن السلطات رضخت له، والبعض تضامن مع المجرم، وآخرون ايدوه، ! وقد جاء خطابه كالتالي :

المقدمة : يبدأ الخطاب بعنوان (المجتمع الصناعي ومستقبله) ، ويقرّ المجرم على أن كل أفعاله كانت إجرامية، ولكن يقول أن هذه الرسالة التي يقرأها الناس لم يكن يستطيع إيصالها للجميع لولا أفعاله..!

ثانيًا: يرى المجرم أن التكنولوجيا والثورة الصناعية أدت لانفجار اضطرابات نفسية على البشر وأصبحوا يميلون للكسل والتعاسة والعزلة، وأن الإنسان يصور له أنه اصبح حرّ بهذه الطريقة بينما فقد حريته واصبح هذا النظام المدمر مفروضًا عليه، ويملي له أهداف مصطنعة تعكس قيمة الفرد بهذا المجتمع.

ثالثًا: يتنبأ المجرم أن المزيد من التقدم التكنولوجي سيؤدي لدمج الانسان مع الآلة أو سيتم استبداله بمنظومات أقوى وأذكى منه ، وانّ البشر سيضطرون للتلاعب في مسار خلقهم وتعديل جيناتهم بواسطة الهندسة الوراثية لكي يتواكبون مع هذا الزمن ، وستكون هذه عواقبها كارثية للجنس البشري.

أخيرًا: يريد المجرم أن يتم تنظيم تقدم التكنولوجيا وليس منعها إطلاقًا ، ويقول أنه استهدف شخصيات كان لها دور في صعود التكنولوجيا، لذلك نرى المستهدفين هم أشخاص من الجامعات، والطيران، وعلوم الحاسوب ، ويوضح بخطابه معنى F C وهو اختصار (نادي الحرية) لأن ما يدعو له هي الحرية في قناعته..!

ينتهي الخطاب هنا.. 

لكم أن تتخيلوا هذا الخطاب كان بسنة 1996 ، أي مع بروز التقنية فقط ، ولحسن الحظ هو لم يشهد عصرنا الحالي ولا تقنيات الذكاء الاصطناعي ، والا كان فجر العالم أجمع .. 

مع هذا الخطاب برز جانب جديد من التحقيق، وهو علم الجينات اللغوية، والذي يُحاول التعرف على المطلوب من خلال أسلوبه ورسائله.

والجميل فأن الشرطة قد وصلت للهدف ، وتلقت مكالمة، من شخص يدعي أن شقيقه هو المجرم، بسبب تشابه صياغة الخطاب مع خطابات أخيه .

واستجابت الشرطة لهذا النداء وقارنت بين أساليبهم ووجدت أمور مشتركة عديدة،وتوجهت  للقبض على هذا المشتبه ، ووجدته شخص عمره 53، يعيش في كوخ وسط الغابة كان منعزل عن أسرته ويتجنب الكهرباء أو أي شيء له صلة بالتقنية، قامت السلطات بتفتيش الكوخ ووجدت نسخة من خطابه وتأكدت بأنه المجرم..!

فمن هو هذا المجرم الفذ ؟!

هذا المجرم هو (تيد كازينسكي)

الذي كان طفلًا مختلفًا ومميزًا. منذ صغره، برزت عبقريته وشطارته، واستطاع تجاوز سنتين في المدرسة نظرًا لقوة عبقريته وذكاءه المذهل، خضع لاختبار ذكاء وكانت النتيجة بتقدير يتراوح بين 160 و170 ،وهي درجة ذكاء أعلى من اينشتاين..!

تم قبوله في جامعة هارفارد وهو لم يتجاوز عمر الـ 16 ، وحصل على البكالوريوس، ثم على الدكتوراة في الرياضيات، وأصبح أستاذ مساعد، ولكن بشكل مفاجئ استقال بعد سنتين من هذا النجاح ، وقرر يعيش بهذا الكوخ بدون كهرباء أو مصدر حيوي للتكنولوجيا وبدأ يهاجم اهله وذويه عن خطورة هذا التقدم التقني.!

بعد القبض على تيد كازينسكي.. طلب في المحاكمة طرد المحامي وأن يتولى هو الدفاع عن نفسه، وأصبح يردد أنه لا يهتم للموت كل ما يهمه هو الوصول إلى تنظيم للمجتمع الصناعي قبل فوات الأوان ، تيد في النهاية حصل على حكم بالسجن مدى الحياة!

يذكر أن المجرم توفى بزنزانته قبل أسبوع بتاريخ 10 يونيو، بعمر 81 سنة و انتهت بذلك قصته، لكن رسالته للمستقبل لا تزال موجودة.


مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى