بناء دولمن منغا: اكتشاف أسرار الهندسة قبل 5600 عام

مدخل ضيق يؤدي إلى دولمن منغا، نصب حجري ضخم في جنوب إسبانيا يعود تاريخه إلى 5600 عام، ويتكون من 32 حجراً ضخماً، حيث يزن أكبر حجر منها حوالي 150 طناً، ما يعادل وزن الحوت الأزرق.

ليوناردو غارسيا سانخوان، أستاذ عصور ما قبل التاريخ بجامعة إشبيلية، وصف الحجارة بأنها تفوق وزن طائرتين من طراز بوينغ 747 محملة بالكامل، قال: “إنها كمية هائلة وضخمة من الحجارة، ولطالما كان لغزاً وسؤالاً علمياً مثيراً للاهتمام كيف تم بناؤه بالنظر إلى التقنيات المتاحة التي كانت لديهم في العصر الحجري الحديث.”

مشروع بحثي استمر عقداً من الزمن ونُشر في مجلة *Science Advances* كشف عن مهارات هندسية متطورة بشكل مدهش في بناء هذا النصب، حيث استخدم البناؤون أدوات دقيقة لضبط الزوايا والأبعاد بدقة مليمتريّة، حيث كانت الأحجار مائلة بزاوية تتراوح بين 84 و85 درجة لتشكيل حجرة شبه منحرفة، الأحجار كانت مغروسة في تجويفات عميقة وتم نحتها لتلائم بعضها البعض بدقة، مما جعلها تجتمع بشكل محكم.

قال غارسيا سانخوان: “إن دقة الزوايا مليمترية، لقد صنعوا من هذا لعبة تتريس مثل لعبة الكمبيوتر.”، أيّ أن العمل كان معقدًا للغاية، مثل لعبة “تتريس” الشهيرة التي تتطلب ترتيب القطع بدقة لتتلاءم مع بعضها، والبناة كانوا ينظمون الأحجار بشكل متقن ودقيق بحيث تتناسب تمامًا مع بعضها البعض، وأضاف أن الدولمن كان على الأرجح يستخدم كمعبد ومقبرة، ويُعتقد أن البناء صُمم ليصمد أمام الزلازل نظراً لأن المنطقة نشطة زلزالياً.

الدراسة توضح أن البنائين استخدموا تقنيات متقدمة لنقل الأحجار الضخمة، بما في ذلك بناء ممرات لتقليل الاحتكاك واستخدام زلاجات خشبية، كما أن الدولمن بُني على انحدار لتسهيل حركة الأحجار.

مايك باركر-بيرسون، أستاذ عصور ما قبل التاريخ في كلية لندن الجامعية، وصف دولمن منغا بأنه “أحد أعظم عجائب ما قبل التاريخ المغليثية في العالم.” وأشار إلى أن البناة كانوا يسعون لتحقيق ديمومة البناء، ربما كرمز للأبدية أو لمواجهة الزلازل.

وأضاف باركر-بيرسون: “تؤكد هذه الأفكار الجديدة حول المهارات الهندسية، إلى جانب حجم الحجارة الضخمة في الدولمين، أن هؤلاء الناس في العصر النحاسي المبكر في أيبيريا كانوا عازمين على بناء نصب تذكاري فائق الصلابة.”

غارسيا سانخوان: “ترى أن هؤلاء الناس كانوا يعرفون عن الفيزياء والاحتكاك والزوايا، كانوا يعرفون عن الجيولوجيا، كانوا على علم بخصائص الصخور، وكانوا على دراية بالهندسة، لو حاول أي مهندس اليوم بناء منجا بالموارد التي كانت موجودة قبل 6000 سنة، لا أعتقد أنه كان بإمكانه القيام بذلك.”

الأبحاث السابقة حددت مصدر الأحجار من مقلع قريب، وتم نقلها باستخدام زلاجات خشبية وحبال، وتفاصيل جديدة كشفت عن التصميم الهندسي المتطور الذي استخدمه بناؤو العصر الحجري الحديث.

هذا الكشف يعزز فهمنا للمهارات الهندسية في تلك الحقبة، ويعتبر مثالاً على العبقرية والإبداع في عصور ما قبل التاريخ.