
وداعًا أحمد منصور.. شهيد الكلمة والصورة في مجزرة خان يونس
في فجرٍ مثقل برائحة الموت، ارتقى الزميل الصحفي أحمد منصور، أحد فرسان الحقيقة في وكالة فلسطين اليوم، شهيدًا متأثرًا بجراحه الخطيرة وحروقه البليغة، إثر قصفٍ غادرٍ نفذته طائرات الاحتلال الإسرائيلي استهدف خيمةً للصحفيين بجوار مجمع ناصر الطبي في خان يونس. كان أحمد هناك، كما اعتاد، يحمل كاميرته لا بندقية، ينقل آهات الجرحى، ويوثق وجع المنكوبين، قبل أن تتحول الكاميرا إلى شاهدة على نهايته.
كان مشهد استهداف خيمة الصحفيين فجر الإثنين، واحدة من أبشع الجرائم الموثقة ضد الإعلاميين الفلسطينيين، وضربة مباشرة لكل من حمل قلمه وكاميراه في مواجهة آلة الحرب، وأبى أن يُقصي الحقيقة رغم دخان القصف ورائحة الدم.
211 صحفيًا وصحفية ارتقوا منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر 2023، منذ بدأت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية بحق أبناء غزة، وأحمد منصور ليس أولهم، وقد لا يكون الأخير في ظل الصمت الدولي والتواطؤ المستمر. مئات آخرون أصيبوا، وفُقدوا، واعتُقلوا، فقط لأنهم قرروا أن يكونوا شهودًا لا صامتين.
لم يكن أحمد مجرد مراسل ميداني. كان أحد الأصوات التي عرفها الناس من خلال الصور التي تُلخص مآسي الحياة تحت الحصار والقصف. كان يحمل صوته بجرأة، وعينه بحدّة المقاتل، يعبر من تحت النيران ليوصل لنا حقيقة ما يجري على الأرض، من دون تزييف أو تهويل.
استهداف الصحفيين جريمة حرب مكتملة الأركان. فخيمة الصحفيين لم تكن موقعًا عسكريًا، بل كانت ملاذًا آمنًا لكل من قرر أن يروي ما يجري للعالم. قصفها رسالة واضحة: إسرائيل لا تريد شهودًا. لا تريد رواةً. تريد أن تطمس الصوت والصورة، لتبقى روايتها وحدها على قيد البث.
إننا، أمام هذا الفقد الفاجع، نُحمّل الاحتلال الإسرائيلي كامل المسؤولية عن استشهاد الزميل أحمد منصور، وعن كل روح إعلامية أُزهقت فقط لأنها كانت تؤمن بأن واجبها أن تنقل الحقيقة.
ونُجدد التأكيد بأن استهداف الصحفيين الفلسطينيين هو جريمة ضد الإنسانية لا يمكن السكوت عنها. جريمة تضاف إلى سجل الاحتلال الحافل بالقتل والدمار، لكنها هذه المرة تُوجه طعنتها نحو “حرّاس الحقيقة” و”عيون الشعوب”.
نُطالب بتحرك دولي فوري:
• من جميع الاتحادات والمؤسسات الإعلامية والحقوقية في العالم.
• لوقف جرائم القتل المتعمّد للصحفيين في غزة.
• واتخاذ تدابير حقيقية لحمايتهم وضمان سلامتهم وفق القوانين الدولية.
كما نُشدد على ضرورة ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين دوليًا، ومحاكمتهم على جرائم الإبادة والتطهير العرقي والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص جرائمهم المنظمة ضد الصحفيين الذين هم شهود العصر وضمير هذه الأرض.
رحل أحمد، لكن صوته باقٍ في صور الأمل، في حكايات الوجع التي نقلها، في الأثر الذي تركه.
لك المجد يا من سقطت واقفًا بالكاميرا بين يديك، ولكل الصحفيين في غزة: أنتم الأبطال الحقيقيون لهذا العصر.