
كتب – موزة الشعيلي
يُعرف العلماء والمثقفون سابقًا بعمق قراءتهم وكثرة مجلداتهم من الكتب التي تضم عددًا واسعًا من ثقافات مختلفة، وعلى هذا الأساس تم بناء الأسس المهمة لقيام أي حضارة أو أي دولة، فكما هو مهم الاقتصاد والأمن وغيرها للعالم، فإن الثقافة مهمة كذلك.
وقد اعتقد البعض أن أمر الثقافة لم يعد ذا أهمية كبيرة لبناء أي شيء، فقد حل محل الثقافة العلمية والأدبية السيولة والثقافة المالية، ومن هذا المنطلق، فقد تم تمهيد مسار الاندثار لسوق الكتب في عالمنا، ولا أقول في محيطنا أو في دولنا بل في عالمنا، لأن هذا الأمر أصبح حقيقة في كل دولة.
ضعف سوق الكتب يتمثل في ضعف التجارة المتعلقة بالبيع والشراء والنشر والكتابة. فلم يعد سوق الكتب أو “تجارة الكتب” أمرًا مهمًا للاقتصاد الآن، وقد عملت عدة أسباب للوصول إلى هذه النتيجة، وقد يظن البعض أن الأسباب تتلخص في التقدم التكنولوجي في العالم، مما جعل الناس تنشغل بالعالم الذي بين أيديهم دون أي عالم آخر.
وكذلك لهفتهم نحو أي أمر جديد يضمه الهاتف كالتطبيقات والتواصل وغيرها من أمور لا تبقي أي عين نائمة. وسبب آخر يعتقده البعض حقيقة وهو ترتيب الأولويات؛ فالإنسان يسعى إلى أن يعيش حياة طبيعية تتمثل في العمل والعائلة والأصدقاء والسفر وغيرها. ومع هذه الأولويات المهمة، تقل أهمية الكتب في حياته، فتسقط إلى آخر القائمة، مدرجة إلى الأمور التي “أتمنى أن أفعلها”.
غير أن السبب الفعلي هو توفر المعلومات بإسهاب في أي مكان على الإنترنت؛ فلماذا يتعب الطالب في البحث عن إجابة أو معلومة في كتب ضخمة مليئة بمعلومات لا حصر لها، في حين يمكنه الآن اللجوء إلى أي متصفح للبحث عن الإجابة في غضون ثوانٍ فقط! مما يتيح له توفير الوقت والمال.
لا يجب إنكار أن سوق الكتب ما زال مستمرًا “ولكن بصورة ضعيفة”، وأن هناك كتبًا ما زالت تصعد عاليًا، ولكن هل هذه الكتب هي التي ستساهم في عودة سوق الكتب مجددًا؟ ذكر “بورخيس” عبارة تصف الكتب الرائجة حاليًا: “لا تقرأوا أي كتاب لأنه مشهور أو حديث أو قديم، يجب أن تكون القراءة أحد أشكال السعادة الخالصة، اقرأوا من أجل متعتكم”. وهنا يؤكد الكاتب الأرجنتيني أن سوق الكتب سيكون واهيًا إذا قام على أساس الكتب ذات الصيت العالي التي كان سبب شهرتها كُتّابها المعروفون.
يخبرنا قارئ أنه ومنذ 8 سنوات كانت الأمور مختلفة بين المكتبات وعددها في عُمان وبين مضمونها. ويذكر أن المكتبات سابقًا كانت تركز على مضمون الكتاب وليس على شهرته كما يحدث الآن.
وكان عدد المكتبات سابقًا كبيرًا مقارنة بالآن، وفي كل فترة يسمع بخبر إغلاق مكتبة أو تقليل أفرع مكتبة ما. ويضيف أن الأمر الغريب أن مساحة الحرية اليوم أكبر من الأمس، وهذا يجب أن يظهر في جودة المكتبات اليوم وتقديم كتب أكبر وذات معلومات أعمق، وهذا لم يحدث. وللأسف يعاني من إيجاد عدد كبير من الكتب، فالمكتبات لم تعد توفر كتبًا جيدة.
ومن جانب آخر، تذكر الكاتبة “نورة الدرعية” -مؤلفة كتاب ظننتك حُبًا- أن الإقبال على كتابها كان على عكس المتوقع، فقد ارتفع الإقبال على كتابها الذي يتحدث عن النصوص الأدبية والخواطر المتنوعة.
وتؤكد الكاتبة أن سوق الكتب الأدبية وما تحويه من روايات أو نصوص أو خواطر تكون ذات أهمية وطلب أكبر من أي مؤلفات أخرى.
وفي الختام، فإن في هذا الزمن ذي الحقائق المختلطة والمعلومات المغلوطة، تبقى الكتب إحدى المصادر المضمونة للغاية لمعرفة الحقيقة وترك الأوهام الأخرى، وسوق الكتب يبني الأسواق الأخرى.